+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
نقلاً عن دائرة المعارف الكتابية
مقدمة:
أطلقت كلمة " أبو كريفا " في العصور المسيحية على بعض الكتابات غير القانونية في العهد القديم ، وكذلك في العهد الجديد ، وبخاصة الكتابات التي تشتمل على " رؤى " تتعلق بالمستقبل والانتصار النهائي لملكوت الله … إلخ ، إذ أنها أمور تسمو عن فكر البشر وحكمة " المطلعين " .
عندما أطلقت كلمة " أبو كريفا " على الكتابات الدينية ، كانت تحمل معنى أنها قاصرة على دائرة معينة ضيقة ، لايمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يفهموها .
فالكلمة بمعنى " خفي - غامض - مبهم - عويص "
وكان جيروم ( توفي حوالي 420 م ) وكيرلس الأورشليمي ( توفي حوالي 386 م ) هما أول من أطلق لفظ " أبو كريفا " على ما جاء في الترجمة السبعينية زيادة عما في الأسفار العبرية القانونية .
ويمكن أن نفهم كيف بدأت مثل هذه الكتابات في الكنيسة الشرقية ، متى علمنا أن كثيرين من أتباع الفلسفة اليونانية ، قبلوا الإيمان المسيحي ، وكان من الطبيعي أن ينظروا إليه من خلال الفلسفة القديمة . وقد رأى الكثيرون منهم بعض المعاني الصوفية في الأسفار القانونيــــة ، فضمنوا هذه المعاني كتباً خاصة موجهة لفئة متميزة دون عامة الناس. وعلى نفس هذا المنوال نشأ بين اليهود - بجانب الناموس المكتوب - ناموس شفهي يتضمن تعاليم معلمي اليهود ، التي وضعوها في مرتبة أعلى من سائر الكتب . وقد يجد الإنسان شبيهاً لذلك في نظرة بعض أتباع الطوائف المختلفة إلى مؤلفاتهم الخاصة واعتبارها ملزمة لهم أكثر من الكتاب المقدس نفسه .
وقد ساعد على حركة تأليف مثل هذه الكتب ، المذاهب الغنوسية وتعاليمها السرية للخاصة . وقد تأثر هؤلاء الغنوسيون بالصوفية البابلية والفارسية وكتاباتها . ويذكر أكليمندس الإسكندري ( توفي 220 م ) أسماء بعض الكتب السرية للديانة الزرادشتية ، ولعله أول من أطلق لفظ " أبو كريفا" على هذه الكتابات الزرادشتية ، فالمسيحية الشرقية وبخاصة اليونانية نزعت إلى إعطاء الفلسفة المكانة التي يعطيها العهد الجديد والمسيحية الغربية للعـــهد القديم .
ثم أصبحت كلمة " أبو كريفا " تعني كتباً أقل قيمة وأضعف سلطاناً من أسفار العهدين القديم والجديد . وقد حدث هذا لسببين :
(1) أنه لا يمكن أن يكون قد أوحي لكاتب ممن عاشوا بعد عهد الرسل .
(2) لايمكن أن يعتبر أي كتاب قانونياً إلا إذا كانت قد قبلته كل الكنائس . وبذلك اعتبرت الكتابات التي ظهرت في نهاية القرن الثاني وأطلق عليها " أبو كريفا " - للحط من قدرها - أنها نبعت أساساً من المذاهب الهرطوقية مثل الغنوسيين ، ولم تحظ قط بالقبول لدى مجموع الكنائس . فيقول أوريجانوس ( توفي 253 م ) ، إنه يجب أن نفرق بين الكتب المسماة " أبو كريفا" ، فالبعض منها يجب رفضه كلية لأنه يحوي تعاليم تناقض تعليم الكتاب ، وهكذا نجد أنه من نهاية القرن الثاني ، أصبحت كلمة " أبو كريفا" تطلق على ماهو زائف وتافـــه ، ويخاصة الكتابات التي تنسب لأناس لم يكتبوها .
ويعارض إيريناوس ( توفي 202 م ) أكليمندس الإسكندري فيرفض أن يكون للكتابات السرية أي اعتبار ، وكان يعتبر ( وكذلك جيروم فيما بعد ) أن كلمتي " قانونية " و " أبو كريفا " على طرفي نقيض . كما أن ترتليان ( توفي 230 م ) كانت له نفس النظرة ، فكلمة أبو كريفا كانت تعني عنده الأسفار غير القانونية .
وفي القرون الأولى كانوا يقسمون هذه الكتب إلى ثلاثة أقسام :
(1) كتب يمكن قراءتها في الكنيسة .
(2) كتب يمكن قراءتها على انفراد ولكن ليس في الاجتماعات .
(3) كتب يجب ألا تقرأ إطلاقاً . وقد أطلق أثناسيوس ( توفي 373 م ) كلمة أبو كريفا على هذا القسم الثالث وجعلها مرادفة لكلمة " مزيفة " .
والخلاصة هي :
1- في الكتابات الكلاسيكية ، الهيلينية ، كانت كلمة أبو كريفا تدل على معنى " خفي أو غامض أو عسر الفهم " .
2- في بداية عصر الآباء ، كانت كلمة أبو كريفا مرادفة لكلمة كتابات للخاصة أي لفئة معينة متميزة .
3-في العصور التالية لذلك ، كانت تستخدم في اليونانية ( مثل إيريناوس وغيره ) وفي اللاتينية ( جيروم ومن بعده ) بمعنى " غير قانوني " أي أنها دون الأسفار القانونية .
5-لا يوجد مرادف لكلمة " أبو كريفا" في العبرية بمعنى الكتابة للخاصة أو الكتابة غير القانونيـــة .
أسفار الأعمال " الأبوكريفية ":
ظهرت الكتابات الأبوكريفية في الدوائر المسيحية - وبخاصة الغنوسية - والتي زعموا أنها تحتوي على حقائق المسيحية الأعمق ، وأنهم تسلموها كتقليد سري من المسيح المقام ومن رسله . وهي جميعها مزيفة وهرطوقية وعندما بدأ ظهور مفهوم الكنيسة الجامعة ، كان لابد أن ينظر إلى هذه الكتابات السرية بعين الريبة ، فمنعت منعاً باتاً ، ليس فقط لأنها شجعت روح الانقسام في الكنيسة لكن لأنها كانت عاملاً على نشر الهرطقات . وهكذا أصبحت كلمة " أبو كريفا" تعني " زائفاً وهرطوقياً " ، وقد استخدمها بهذا المعنى إيريناوس وترتليان .
ورغم أنها لم توسم جميعها بالهرطقة ، فقط اعتبرت غير لائقة للقراءة في اجتماعات العبادة ، وإن كان البعض منها يمكن قراءته على انفراد . وبتأثير جيروم اتسع معنى كلمة " أبو كريفا " لتشمل مثل هذه الكتابات التي لاتعترف الكنيسة بها أسفاراً قانوينة رغم عدم احتوائها على تعليم هرطوقي .
وتطلق كلمة " أبو كريفا " بهذا المعنى الواسع على " أسفار الأعمال " الأبو كريفية ، والتي استبعدت من الأسفار القانونية للعهد الجديد ، لأن الكنيسة لم تعترف بصحتها وسلامة مصادرها .
أولاً - صفاتها العامة : تزعم أنها تقدم تفاصيل أكثر مما في سفر الأعمال الكتابي عن أنشطة الرسل . والزيادات التي فيها مصبوغة بالمبالغات والتهاويل ، وتنم عن نزعة غير سليمة لإختراع الخوارق ، فهي مملوءة بالروايات الغريبة التي اختلقها خيال جامح ، فهي خالية من اللباقة ، بعيدة كل البعد عن الحقيقة ، وهي تصور الرسل في مستوى أعلى من مستوى البشر ، والضعفات البشرية التي تسجلها لهم الأسفار القانونية تختفي تماماً ، فهم يسيرون في العالم كرجال ملمين تماماً بكل أسرار السماء والأرض ، ويمتلكون قدرات لا حدود لها ، فلهم القدرة على الشفاء وإخراج الشياطين وإقامة الموتى . ومع أن هذه الأفعال العجيبة كثيراً ماكانت تحدث ، إلا أن هذه الأسفار تروي معجزات أتاها الرسل تذكرنا بالخوارق اللامعقولة عن طفولة يسوع المذكورة في إنجيل توما ، مثل جعل سمكة مشوية تعوم ، أو تمثال مكسور يصبح سليماً بواسطة رشه بمياه مقدسة ، أو طفل ذي سبعة شهور يتكلم بصوت رجل بالغ ، أو أن تصبح الحيوانات قادرة على الكلام بلغة بشرية .
الخوارق : والصفة الرومانسية للأعمال الأبو كريفية تظهر بشدة في ابتدائها - في أغلب الأحيــان - بالخوارق ، فيظهر الملائكة في رؤى أو أحلام ، وتُسمع أصوات من السماء ، وتهبط السحب لستر الأمناء في وقت الخطر ، كما تفتك الصواعق بأعدائهم ، وقوات الطبيعة المخيفة من زلازل ورياح ونيران تبعث الرعب في قلوب الفجار .
والسمة البارزة في الأعمال أبو كريفية هي ظهور المسيح بأشكال متعددة ، فمرة يظهر في هيئة رجل عجوز ، ومرة في هيئة فتى ، ومرة أخرى في هيئة طفل ، ولكن الأغلب أن يظهر في صورة هذا الرسول أو ذاك .
الزهد الجنسي : كان لها غاية عملية هي إثبات وإشاعة نوع من المسيحية يُنادي بالإمتناع الصارم عن العلاقات الجنسية ، فهذا الزهد الجنسي هو الموضوع الرئيسي في هذه الأعمال . فكفاح الرسل واستشهادهم إنما حدث نتيجة كرازتهم بوجوب طهارة الحياة الزوجية ، ولنجاحهم في إقناع الزوجات بتجنب مخالطة أزواجهن . فكل أسفار الأعمال الأبوكريفية تتخللها فكرة أن الإمتناع عن الزواج هو أسمى شرط للدخول إلى الحياة الفضلى وربح السماء .
التعاليم الهرطوقية : الأعمال الأبو كريفية لا تخلو من هرطقات ، فجميعها - باستثناء أعمال بولس - تمثل فكراً دوسيتيا أي أن حياة المسيح على الأرض لم تكن إلا خيالاً غير حقيقي . وتبرز هذه الفكرة بشدة في أعمال يوحنا حيث نقرأ فيها أن يسوع عند سيره لم تكن أقدامه تترك أثراً ، وأنه عندما كان الرسول يحاول أن يمسك بجسد المسيح كانت يده تخترق الجسد بلا أي مقاومة ، وأنه بينما كانت الجموع تحتشد حول الصليب ويسوع معلق عليه أمام أنظار الجميع ، كان السيد نفسة يتقابل مع تلميذه يوحنا على جبل الزيتون ، فلم يكن الصلب إلا منظراً رمزياً ، فالمسيح تألم ومات في الظاهر فقط . وارتبطت بهذه الأفكار الدوسيتية أفكار انتحالية ( مودالزم ) ساذجة لا تفرق بين الآب والابن .
المشاعر الدينية : بالرغم من هذا الإنطباع السيء الذي يخلقة هذا الطوفان من تفاصيل الخوارق والتهاويل ، فإن الإنسان لا يسعه - أمام كثير من الأجزاء منها - إلا أن يحس بنشوة الحماس الروحي ، وبخاصة في أعمال يوحنا وأندراوس وتوما حيث توجد أجزاء ( أناشيد وصلوات ومواعظ ) تبلغ أحياناً حد الروعة والجمال الشعري وتتميز بدفء ديني وحماسة صوفية وقوة أدبية . فالخرافات الباليةوبقايا الوثنية الظاهرة ، يجب ألا تعمي أبصارنا عن أن في هذه الأعمال الأبوكريفية - رغم التشويه الشديد - صوراً للعقائد المسيحية في تلك العصور . وأن كثيرين من الناس تثبت إيمانهم بقوة المسيح المخلص من خلالها .
أصلها : هناك دوافع كثيرة وراء ظهور كتب مختلفة عن حياة وأعمال الرسل :
1- التقدير الكبير للرسل كمستودع للحق المسيحي .
2- الفضول : فسفر أعمال الرسل القانوني لم يعتبر كافياً لإشباع الرغبة في معرفة حياة الرسل وتعاليمهم ، فبعض الرسل قد تجاهلهم سفر الأعمال ، كما أن المعلومات عن بطرس وبولس لا تزيد عن لمحات من أحداث حياتهما .
3-الرغبة في السلطان الرسولي : والرغبة في إضفاء أهميةكبيرة على بعض المفاهيم المتعلقة بالحياة ، والتعاليم المسيحية التي سادت بعض الدوائر ، وذلك بنسبها إلى الرسل .
4-مكانة الكنائس المحلية : كان هناك سبب جانبي لتلفيق هذه الأساطير عن الرسل ، وهو رغبة بعض الكنائس في وجود سند لما تدعيه من أن مؤسسها هو أحد الرسل ، أو أنها كانت على صلة بهم ، هناك دلائل قوية على أنها مجرد اختلاق لإعطاء مكانة بارزة لكنيسة محلية .
ثانيا - مصادرها :
1- سفر الأعمال الكتابي : يمكن عموماً القول بأن أسفار الأعمال الأبو كريفية مملوءة بالتفاصيل الأسطورية ، وقد بذلت في اختلاقها كل الجهود للإيحاء بصحتها التاريخية ، فإنها كثيراً ما تذكر أحداثاً وردت في سفر الأعمال الكتابي ، فالرسل يلقون في السجون ويخرجون منها بمعجزة ، والذين يتجددون يستضيفون الرسل في بيوتهم ، ويتكرر وصف عشاء الرب بأنه " كسر الخبز " ( أع 2 : 42 و 46 ) بصورة تلائم أغراضهم ، حيث لايرد ذكر للخمر في صنع العشاء الرباني .
وفي أعمال بولس ، واضح أن المؤلف ، استخدم سفر الأعمال الكتابي كإطار لروايته ، وذلك لإضفاء صبغة الصحة التاريخية على هذه التلفيقات المتأخرة ، لكي تنال قبولاً لدى القاريء . واستنادهم الواضح على سفر الأعمال الكتابي دليل قوي على أنه كان له اعتباره السامي الرفيع في الوقت الذي كتبت فيه هذه الأسفار الأبو كريفية .
2- التقاليد : هذه الصبغة الأسطورية لا تمنع احتمال صحة بعض التفاصيل في الزيادات عما في سفر الأعمال الكتابي ، ولكن يجب القول بأن دلائل وجود تقاليد يعتمد عليها ، ضئيلة جداً ، فالبذور القليلة من الحقيقة التاريخية ، مدفونة في أكوام من الأساطير التي لا شك في زيفها .
وفي القرن الثالث نجد تلميحات خاطفة لبعض أسفار الأعمال الأبو كريفية ، ولكن في القرن الرابع كثرت الإشارات إليها في كتابات الشرق والغرب على السواء . وسنذكر هنا أهم هذه الإشارات :
1- شهادة كتاب الشرق : أول كتاب الشرق الذين ذكروا صراحة الأعمال الأبو كريفية ، هو يوسابيوس ( المتوفي في 340 م ) ، فهو يذكر " أعمال أندراوس وأعمال يوحنا وأعمال الرسل الآخرين " ، وكانت من الهوان بحيث لم يحسب أي كاتب كنسي أنها أهلاً لأن يستشهد بها ، فأسلوبها وتعليمها ينمان بكل وضوح عن مصدرها الهرطوقي ، لدرجة تمنع من وضعها حتى بين الكتب الزائفة ، بل رفضوها تماماً باعتبارها سخيفة وشريرة . ويصرح أفرايم ( المتوفي 373 م)بأن أسفار الأعمال كتبها الباردسانتيون لينشروا باسم الرسل ما هدمه الرسل أنفسهم . ويكرر أبيفانيوس ( حوالي 375 م ) الإشارة إلى أسفار أعمال كانت تستخدم بين الهراطقة . ويعلن أمفيلوكيوس من أيقونية ، وكان معاصراً لأبيفانيــوس ، أن كتابات معينة كانت تنطلق من دوائر الهراطقة وهي " ليست أعمال الرسل ، بل روايات شياطين " . كما أن مجمع نيقية الثاني ( 787 م ) يحتفظ لنا بعبارة أمفيلوكيوس آنفة الذكر ، وقد بحث موضوع الكتابات الأبوكريفية ، وبصورة خاصة أعمال يوحنا - التي كان يستند إليها معارضو الأيقونات - وقد وصفــــــــــها المجمع بأنها " الكتاب المقيت " وأصدر ضده هذا القرار : " لا يقرأه أحد ، وليس ذلك فقط ، بل نحكم بأنه مستحق أن يلقى طعاماً للنيران " .
2-شهادة الغرب : وتكثر الإشارات إلى هذه الأعمال منذ القرن الرابع ، فيشهد فيلاستريوس من برسكيا ( حوالي 387 م ) بأن الأعمال الأبو كريفية كانت مستخدمة عند المانيين ، ويقول إنها وإن كانت لا تليق قراءتها للجمهور ، إلا أن القاريء الناضج يمكن أن يستفيد منها . ويشير أوغسطينوس مراراً إلى الأعمال الأبوكريفية بأنها كانت تستخدم عند المانيين ووصمها بأنها من تأليف " ملفقي الخرافات " . لقد قبلها المانيون واعتبروها صحيحة ، وفي هذا يقول أوغسطينوس : "لو أن الناس الأتقياء المتعلمين الذين عاشوا في زمن مؤلفيها ، وكانوا يستطيعون الحكم عليها ، قد أقروا بصحتها ، لقبلتها سلطات الكنيسة المقدسة " . ويذكر أوغسطينوس أعمال يوحنا وأعمال توما بالاسم ، كما أنه يشير إلى أن ليوسيوس هو مؤلف الأعمال الأبوكريفية . ويذكر تريبيوس ، من استورجا ، أعمال أندراوس وأعمال يوحنا وأعمال توما وينسبها للمانيين . ويندد تريبيوس ، بالتعليم الهرطوقي في أعمال توما عن المعمودية بالزيت عوضاً عن المـــاء ، ويدين هذه الهرطقة . ويذكر أن ليوسيوس هو مؤلف أعمال يوحنا . كما أن المرسوم الجلاسياني يدين أعمال أندراوس وتوما وبطرس وفيلبس وينعتها بأنه أبو كريفية . ونفس هذا المرسوم يدين أيضاً " كل الكتب التي كتبها ليوسيوس تلميذ الشيطان " .
3-فوتيوس : أما أكمل وأهم الإشارات إلى الأعمال الأبوكريفية فهي ما جاء بكتابات فوتيوس بطريرك القسطنطينية في النصف الثاني من القرن التاسع ، ففي مؤلفـــــــــــــــــــه " ببليوتيكا " تقرير عن 280 كتاباً مختلفاً قرأها في أثناء إرساليته لبغداد ، وكان بينها كتاب " يقال عنه تجولات الرسل الذي يشتمل على أعمال بطرس ويوحنا وأندراوس وتوما وبولس . ومؤلفها جميعاً - كما يعلن الكتاب نفسه بكل وضوح - هو ليوسيوس كارنيوس " . ولغتها خالية تماماً من النعمة التي تتميز بها الأناجيل وكتابات الرسل ، فالكتاب غاص بالحماقات والمتناقضات ، وتعليمه هرطوقي ، وبخاصة أنه يعلم بأن المسيح لم يصبح مطلقاً إنساناً حقيقياً ، وأن المسيح لم يصلب بل صلب إنسان آخـــر مكانه ، وأشار إلى تعليم التقشف والمعجزات السخيفة في هذه الأعمال ، وإلى الدور الذي لعبه كتاب أعمال يوحنا في صراع معارضي الأيقونات .
ويختم فوتيوس بالقول : " بالاختصار يحوي هذا الكتاب عشرات الآلاف من الأشياء الصبيانية التي لاتصدق ، السقيمة الخيال ، الكاذبة ، الحمقاء ، المتضاربة ، الخالية من التقوى والورع ، ولا يجافي الحقيقة كل من ينعتها بأنها نبع وأم كل الهرطقات " .
ثالثاً - إدانة الكنيسة لها :
هناك إجماع في الشهادات الكنسية على الطابع العام للأعمال الأبوكريفية ، فهي كتابات استخدمتها الطوائف الهرطوقية ، أما الكنيسة فاعتبرتها غير جديرة بالثقة بل ومؤذية . ومن المحتمل أن مجموعة الأعمال المحتوية على الخمسة الأجزاء التي أشار إليها فوتيوس ، كانت من تأليف المانيين في شمالي أفريقيا ، الذين حاولوا أن يحملوا الكنيسة على قبولها عوضاً عن سفر الأعمال الكتابي الذي رفضه المانيون ، وقد وصمتها الكنيسة بالهرطقة . وأصرم حكم هو الذي أصدره ليو الأول ( حوالي 450 م ) فأعلن أنـــــها : " لا يجب منعها فقط ، بل يجب أن تجمع وتحرق ، لأنه وإن كان فيها بعض الأشياء التي لها صورة التقـــوى ، إلا إنها لا تخلو مطلقاً من السم ، فهي تعمل خفية بغواية الخرافات ، حتى تصطاد في حبائل الضلالات ، كل من تستطيع خداعهم برواية العجائب " . فأعمال بولس ، التي لا يبدو فيها هرطقة واضحة ، شملها الحرم الكنسي على أساس أنها جاءت في ختام المجموعة . على أي حال ، إن الكثيرين من معلمي الكنيسة ، ميزوا بين تفاصيل الخوارق وبين التعاليم الهرطوقية ، فرفضوا الثانية وأبقوا على الأولى .
رابعاً - الكاتب :
ينسب فوتيوس الأعمال الخمسة لمؤلف واحد هو ليوسيوس كارنيوس ، كما أن الكتّاب الأوائل نسبوا أسفاراً معينة فيها إلى ليوسيوس كارنيوس ، وعلى الأخص - بشهادة عدد كبير من الكتَّاب - أعمال يوحنا . وكما يتضح من هذه الأعمال ، يدّعى المؤلف بأنه كان تابعاً ورفيقاً للرسول .ومهما كان الأمر فإنه عندما جمعت هذه الأعمال في مجموعة واحدة ، نسبت جميعها إلى المؤلف المزعوم لأعمال يوحنا ، وعلى الأرجح حدث هذا في القرن الرابع ، رغم أنه من الواضح أن الأعمال جميعها ليست بقلم كاتب واحد ( وأكبر دليل هو الاختلاف الواضح في الأسلوب ) وإن كان يوجد بعض التشابه بين البعض منها ، إما لأنها لمؤلف واحد أو لأنها أخذت عن مصدر واحد .
خامساً - العلاقة بين أسفار الأعمال المختلفة :
كان واضحا منذ العصور القديمة وجود ارتباط بين مختلف أسفار الأعمال ، ولا شك في أنه على أساس هذا الارتباط جمعت في مجموعة واحدة تحت اسم مؤلف واحد ، فالبعض يرون تشابهاً كبيراً بين أعمال بطرس وأعمــال يوحنا ، وأنهما من إنتاج مؤلف واحد ، ويرى البعض الآخر أن الأول بني على الثاني ، بينما يرى آخرون أن هذا التشابه نتيجة مدرسة لاهوتية واحدة ، وجو كنسي واحد . كما أن أعمال أندراوس فيها وجوه شبه كثيرة مع أعمال بطرس . وعلى أي حال ، فإنها جميعهاتسودها روح الزهد . أما من جهة التعليم اللاهوتي ، فأعمال بولس تقف وحدها ضد النزعة الغنوسية ، أما الأعمال الأخرى فتتفق في نظرتها الدوسيتية لشخص المسيح ، بينما نرى في أعمال يوحنا وأعمال بطرس وأعمال توما نفس التعليم الصوفي الغامض عن الصليب .
سادساً - قيمتها :
أ- كتاريخ : لا قيمة إطلاقاً لأسفار الأعمال الأبوكريفية من جهة الإلمام بحياة الرسل وأعمالهم ، ولعل الاستثناء الوحيد لذلك هو الجزء المختص ببولس وتكلة في أعمـال بولس .
ب-كتسجيل للمسيحية في العصور الأولى : أنها عظيمة القيمة فيما يختص بإلقاء الضوء على الفترة التي كُتبت فيها ، فهي ترجع إلى القرن الثاني ، وهي منجم عني بالمعلومات عن المسيحية في صورتها العامة في ذلك الوقت.
وتوجد مبادئ أخلاقية أخرى في هذه الأسفار تتفق تماماً مع المباديء المسيحية .
سابعاً - أثرها :
كان لأسفار الأعمال الأبوكريفية أثر ملحوظ في تاريخ الكنيسة ، فبعد أن استقرت المسيحية في حكم قسطنطين ، عاد الناس بأبصارهم إلى أيام الجهاد والاضطهاد ، واهتموا اهتماماً شديداً بأحداث عصر بطولات الإيمان ، عصر الرسل والشهداء ، فقرأوا أعمال الشهداء بنهم ، وبخاصة الأعمال الأبوكريفية التي اعتمدوا عليها كثيراً لإشباع رغبتهم في معرفة المزيد عن الرسل ، مما لا يوجد في الأسفار القانونية . وكانت التعاليم الهرطوقيــــــة - التي امتزجت بالأساطير التي نسجوها حول الرسل - سبباً في إدانة السلطات الكنسية لها ، ولكن الحرم الكنسي لم يستطع أن يمحو أثر هذه الألوان الزاهية الموجودة في تلك الروايات ، وأمام ذلك كرس كتّاب الكنيسة أنفسهم لكتابة التواريخ القديمة بعد استبعاد كل ماهو ظاهر الهرطقة ، وأبقوا على الخوارق والمعجزات . ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط ، بل استخدمت مادة الأعمال الأبوكريفية بكثرة في تلفيق تواريخ الرسل الآخرين ، كما نجد في المجموعة المسماة " أبدياس " من القرن السادس . وكانت النتيجة أنه من القرن الرابع إلى القرن الحادي عشر تزايدت بسرعة المؤلفات عـــــــــن الرسل " وأصبحت الموضوع المحبوب الذي يقبل على قراءته المسيحيون من أيرلنده حتى جبال أثيوبيا ، ومن بلاد العجم حتى أسبانيا " ( كما يقــول هارناك ) . كما كتبت الأساطير حول الرسل بالإشغر الدينية ، وظهرت هذه الكتابات في تواريخ الشهــداء والتقاويم ، وأصبحت مواضيع للمواعظ في أيام الصوم ، واتسقي منها الرسامون مواضيع لرسومهم . الأبوكريفا : الأعمال :
الأعمال الأبوكريفة التي سنتكلم عنها هنا ، هي أعمال ليوسيوس التي ذكرها فوتيوس . وهي بصورتها الحالية حدث فيها تنقيح لصالح الفكر الكنسي ، ولكنها في أصلها كانت تنتمي للقرن الثاني ، ومن العسير أن نعرف كم تختلف هذه الأعمال في صورتها الحالية عما ظهرت عليه أصــلاً ، ولكن واضح من كثير من النقاط أن التنقيح الذي حدث بهدف حذف الأخطاء الهرطوقية ، لم يكن شاملاً فكثير من الأجزاء الواضحة الغنوسية ، مازالت موجودة، لأن المنقح - على الأرجح - لم يدرك معناها الحقيقي .
أولا - أعمال بولس :
ويقتبس منها أوريجانوس مرتين في كتاباته التي مازالت محفوظة . وفي المخطوطة الكلارومونتانيــــــــــة ( القرن الثالث ) - وهي من أصل شرقي - توضع أعمال بولس موضع الاعتبار مع راعي هرماس ورؤيا بطرس . كما أن يوسابيوس - الذي يرفض رفضــــــــــــــــاً باتاً " أعمال أندراوس وأعمال يوحنا وأعمال سائر الرسل " - يضع أعمال بولس في قائمة الأسفار المشكوك في صحتها مع هرماس ورسالة برنابا وتعليم الرسل وغيرها .
أما في الغرب حيث كان يُنظر بعين الريبة لإوريجانوس ، فيبدو أنهم رفضوا أعمال بولس . ولا يرد لها ذكر إلا في كتابات هيبوليتس صديق أوريجانوس ، وهو لا يذكرها بالاسم ولكنه يستشهد بصراع بولس مع الوحوش كدليل على صدق قصة دانيال في جب الأسود . ولم يبق من أعمال بولس إلا أجزاء قليلة ، ولم يكن يعرف عنها إلا القليل حتى سنة 1904 حين ظهرت ترجمة لنسخة قبطية - غير سليمة الحفظ - نشرها س.شميدت .
1. أطول هذه الأجزاء وأهمها هو ما وصل إلينا في كتاب منفصل باسم " أعمال بولس وتكلة " ولا نستطيع أن نقطع بالزمن الذي فصلت فيه عن أعمال بولس ، ولكنه لابد حدث قبل المرسوم الجلاسياني ( 496 م) الذي لا يذكر أعمال بولس ، ولكنه يديـــــــن " أعمال بولس وتكلة " .
أ. تتلخص القصة في : أن فتاة مخطوبة من أيقونية اسمها تكلة استمعت إلى كرازة بولس عن البتولية وفتنت بها ، فرفضت الارتباط بخطيبها . ولتأثير بولس عليها ، اُستدعى بولس أمام الحاكم الذي ألقاه في السجن فزارته تكلة ، فتعرض كلاهما للمحاكمة ، فنُفي بولس من المدينة وحكم على تكلة بالحرق ، ولكنها نجت بمعجزة من وسط النار ، وأخذت في البحث عن بولس . وعندما وجدته رافقته إلى أنطاكية ( وغير واضح إن كانت أنطاكية بيسيدية أو أنطاكية في سوريا ) ، وفي أنطاكية فتن بها شخص ذو نفوذ اسمه إسكندر ، الذي عانقها علناً في الشارع ، فاستهجنت تكلة فعلته ونزعت التاج الذي كان على رأسه ، فحكم عليها أن تصارع الوحوش في ميدان الألعاب . وتركت تكلة تحت حراسة الملكة تريفينا التي كانت تعيش وقتئذ في أنطاكية . وعندما دخلت تكلة إلى حديقة المصارعة ، لقيت لبؤة حتفها دفاعاً عن تكلة ضد الوحوش ، وفي وسط الخطر ألقت تكلة بنفسها في حوض به عجول البحر ، وهي تهتـــــــــــف : " باسم يسوع المسيح أعمد نفسي في آخر يوم " . وعندما اقترح البعض أن تمزق تكلة بين الثيران الهائجة ، أغمى على الملكة تريفينا فخشيت السلطات مما يمكن أن يحدث ، وأطلقوا سراح تكلة وسلموها لتريفينا فذهبت تكلة مرة أخرى للبحث عــن بولس ، وعندما وجدته أرسلها للكرازة بالإنجيل ، فقامت بالكرازة في أيقونية أولاً ثم في سلوقية حيث ماتت .
ب- ورغم أن قصة تكلة كتبت لإيجاد سند رسولي للبتولية ، فمن المحتمل أن يكون لها أساس ضعيف من الصحة ، فوجود طائفة قوية باسمها في سلوقية يؤيد الرأي القائل بأن تكلة كانت شخصية تاريخية ، كما أن التقاليد عن صلتها ببولس - التي تجمعت حول المعبد الذي بنى في سلوقية تكريماً لها - هي التي شكلت عناصر هذه الرواية ، ولاشك أن فيها بعض الذكريات التاريخية . فتريفينا شخصية تاريخية تأكد وجودها من اكتشاف نقــــود باسمها ، وكانت أم الملك بوليمون الثاني ملك بنطس وقريبة للإمبراطور كلوديوس . وليس هناك ما يدعو للشك في ما جاء في هذه الأعمال من أنها كانت تعيش في أنطاكية في وقت زيارة بولس الأولى لها . كما أن هذه الأعمال واضحة في دقتها الجغرافية ، فتذكر الطريق الملكي الذي تقول إن بولس سار فيه من لسترة إلى أيقونية ، وهي حقيقة تستلفت النظر .
ج- كانت أعمال بولس وتكلة واسعة الانتشار ، ولها تأثير كبير وذلك للتقدير الواسع لتكلة التي كانت لها مكانة كبيرة بين القديسين باعتبارها " أول أنثى تستشهد " .والإشارات إلى هذه الأعمال في كتابات الآباء قليلة .
2-جزء هام آخر من أعمال بولس ، هو الجزء الذي يشتمل على مايعرف بالرسالة الثالثة إلى الكورنثيين ، وفيها يذكر أن بولس كان في السجن في فيلبي ( ليس في زمن أعمال الرسل 16 : 23 ، ولكن بعد ذلك بوقت ) . وكان سجنه لسبب تأثيره على ستراتونيس زوجة أبولوفانيس ، فالكورنثيون الذين أزعجتهم هرطقة اثنين من المعلمين ، أرسلوا خطاباً لبولس يصفون له التعاليم الخبيثة التي تدعي أن الأنبياء لا قيمة لهم ، وأن الله غير قادر على كل شيء ، وأنه ليست هناك قيامة أجساد ، وأن الإنسان لم يخلقة الله ، وأن المسيح لم يأت في الجسد ولم يولد من مريم ، وأن العالم ليس من صنع الله بل من صنع الملائكة . وقد حزن بولس كثيراً بوصول هذه الرسالة ، وفي ضيق شديد كتب الرد الذي فند فيه هذه الآراء الغنوسية التي ينادي بها معلمون كذبة . ومما يستلفت النظر أن هذه الرسالة التي تستشهد كثيراً برسائل بولس الكتابية ، ورسالة الكورنثيين إلى بولس التي دفعته إلى كتابتها ، اعتبرتهما الكنائس السريانية والأرمينية ، قانونيتين بعد القرن الثاني ، ولم تصل إلينا الصورة الأصلية للرسالة في اليونانية ، ولكنها وصلتنا في نسخة قبطية ( غير كاملة ) ونسخة أرمينية ونسختين مترجمتين لللاتينية ( مشوهتين ) ، علاوة على تناولها في تفسير أفرايـــــــــــــــــــــــــــم ( بالأرمينية ) . وقد فقدت النسخة السريانية .
3- علاوة على الجزئين المذكورين أعلاه من أعمال بولس ، توجد أجزاء أقل أهمية مثل شفاء الرسول لرجل مصاب بالاستسقاء في ميرا ( وهي تتمة لقصة تكلة ) ، ومصارعة بولس للوحوش في أفسس ( مبينة على ماجاء في 1 كو 15 : 32 ) ، واقتباسين قصيرين يذكرهما أوريجانوس ، وجزء ختامي يصف استشهاد الرسول في زمن نيرون الذي ظهر له بولس بعد موته . كما أن أكليمندس الإسكندري يقتبس فقرة عن إرسالية بولس الكرازية ، والتي ربما شكلت جزءاً من أعمال بولس .
المؤلف وتاريخ التأليف : مما ذكره ترتليان نعلم أن مؤلف " أعمال بولس " كان شيخاً من شيوخ أسيا ، كتب كتابه " بقصد تعظيم بولس ، ولعل تاريخ تأليف أعمال بولس يرجع إلى النصف الثاني من القرن الثاني بين 160 - 180 م .
ورغم أن أعمال بولس كتبت لبيان عظمة الرسول ، فإنها تبين بوضوح أن المؤلف لم يكن مؤهلاً لذلك من ناحية المقدرة الفكرية أو اتساع الرؤيا ، فالمستوى الفكري لهذه الأعمال هابط جداً كما أنها فقيرة في مفاهيمها ، فالموضوع الواحد يتكرر بدون أي تغيير ، والعيوب الظاهرة في خيال المؤلف واضحة في أسلوبة العاري الخالي من الفن . وبه اقتباسات كثيرة من العهد الجديد ، والصورة التي يرسمها للمسيحية ضيقة ومن جانب واحد ، وهي في جملتها صحيحة ، وليس فيها ما يؤيد رأي ليسيوس بأنها مأخوذة عن مؤلف غنوسي . فتكرار أحداث الخوارق ، والتقشف الشديد الذي يميز هذه الأعمال ، ليسا دليلاً على التأثر بالغنوسية ، بل أن التعليم فيها هو ضد الغنوسية ، كما نرى في المراسلات بين بولس والكورنثيين : " أن الرب يسوع المسيح ولد من مريم من نسل داود ، فقد أرسل الآب الروح من السماء إليها ." ويؤكد قيامة الأموات بقيامة المسيح من بين الأموات ، ولكن القيامة قاصرة على الذين يؤمنون بها ( وهذه النقطة يبدو أنها من ابتكار المؤلف ) ، فيقول : " ان من لا يؤمنون بالقيامة لن يقوموا " ويربط بين الإيمان بالقيامة وضرورة الامتناع تماماً عن المعاشرات الجنسية ، فالأطهار فقط هم الذين يعاينون الله ، " فلن يكون لكم نصيب في القيامة إلا إذا ظللتم طاهرين ولم تنجسوا الجسد " . والإنجيل الذي كرز به الرسول كان يتعلق " بضبط النفس والقيامة " . ومحاولة المؤلف تدعيم صورة المسيحية التي كانت سائدة في أيامه ، كانت هي الهدف الرئيسي لتأليف الكتاب ، فيصور الرسول بولس على أنه رسول هذا المفهوم الشائع . ولإضفاء صورة جذابة على تعليمه ، ملئت الصورة بالخوارق والمعجزات لإرضاء ذوق ذلك العصر .
ثانياً - أعمال بطرس :
يوجد جزء كبير ( حوالي الثلثين ) من أعمال بطرس محفوظاً باللغة اللاتينية ، يطلق عليه " أعمال فرسيلي " نسبة إلى مدينة فرسيلي في بيدمونت حيث توجد المخطوطة في مكتبة كنيستها . كما اكتشف جزء منها بالقبطية ونشره في 1903 س. شميدت تحت عنوان " أعمال بطرس " ويرى شميدت أنها جزء من كتاب أخذت منه أعمــال فرسيلي ، ولكن هذا أمر موضع شك . وهذا الجزء يتعلق بحادثة حدثت في أثناء خدمة بطرس في أورشليم ، بينما ، " أعمال فرسيلي " - ولعل المقصود منها أن تكون إمتداداً لسفر الأعمال القانوني - تروي قصة الصراع بين بطرس وسيمون الساحر ، واستشهاد بطرس في رومية . وما ذكره عنها كتاب الكنيسة ( فيلاستريوس من برسكيا ، وإيزادور من بلوزيوم وفوتيوس ) يؤكد أن " أعمال فرسيلي " هي جزء من أعمال بطرس التي حرمت في مرســـــــــــــــــوم أنوسنت الأول ( 405 م ) وفي المرسوم الجلاسياني ( 496 م ) :
1- يحتوي الجزء القبطي على قصة ابنة بطرس المفلوجة ، ففي أحد أيام الآحاد وبطرس مشغول بشفاء المرضى ، سأله أحد الواقفين : لماذا لم يشف ابنته ؟ ولكي يبرهن على قدرة الله على إتمام الشفاء على يديه ، شفي بطرس ابنته لفترة وجيزة ، ثم أمرها أن تعود إلى مكانها وإلى حالتها كما كانت من قبل ، وقال إن هذه البلوى قد أصابتها لتخلصها من النجاسة ، حيث أن بطليموس قد فتن بها وأراد أن يتخذها له زوجة . وحزن بطليموس على عدم حصوله عليها حتى عمي من البكاء ، وبناء على رؤيا ، جاء إلى بطرس الذي أعاد له بصره فآمن ، وعندما مات ترك قطعة من الأرض لابنة بطرس . وقد باع بطرس تلك القطعة من الأرض ووزع ثمنها على الفقراء . ويشير إلى هذه القصة دون أن يذكر اســـــــــــم " أعمال بطرس " . كما توجد إشارتان لهذه القصة في أعمال فيلبس . كما تذكر القصة مع أعمال نريوس وأخيلاوس - التي كتبت في عهد متأخر ، مع تغييرات واضحة .
2- تنقسم محتويات الأعمال الفرسيليانية إلى ثلاثة أقسام :
أ- الأصحاحات الثلاثة الأولى واضح أنها تكملة لقصة أخرى ، ويمكن أن تكون تكملة لسفر الأعمال القانوني ، فهي تروي إرتحال بولس إلى أسبانيا .
ب- الجزء الأكبر ( من 4 - 32 ) يصف الصراع بين بطرس وسيمون الساحر في رومية ، فلم يمكث بطرس في رومية طويلاً حتى لحق به سيمون - الذي كان " يدعي أنه قوة الله العظيمة " - وأفسد كثيرين من المسيحيين . وظهر المسيح لبطرس في رؤيا في أورشليم وأمره أن يبحر إلى إيطاليا وإذ وصل إلى رومية ثبت المؤمنين ، وأعلن أنه جاء لتثبيت الإيمان بالمسيح ليس بالأقوال فقط بل بعمل المعجزات والقوات ( إشـــارة إلى 1 كو 4 : 20 ، اتس 1 : 5 ) . وبناء على التماس من الإخوة، ذهب بطرس لمقابلة سيمون في بيت رجل يدعي مارسلوس كان قد أضله الساحر ، وعندما رفض سيمون مقابلته ، أطلق بطرس كلباً وأمره أن يبلغ سيمون الرسالة ، وكانت نتيجة هذه المعجزة أن تاب مارسلوس . وبعد ذلك جزء يصف إصلاح تمثال مكسور برش الكسر بماء باسم يسوع . وفي تلك الأثناء كان الكلب قد ألقى موعظة على سيمون وأصدر عليه حكم الدينونة بنار لا تطفأ .
وبعد أن أبلغ بطرس بقيامه بمأموريته وتكلم إلى بطرس بأقوال مشجعة ، اختفى الكلب عند قدمي الرسول . وبعد ذلك جعل سمكة مشوية تعوم ، فتقوى إيمان مارسلوس وهو يرى العجائب التي يصنعها بطرس ، فطرد سيمون من بيته بكل احتقار ، فاغتاظ سيمون جداً لذلك ، فذهب إلى بطرس يتحداه ، فانبرى له طفل عمره سبعة شهور ، يتكلم بصوت رجالي ، وشجب سيمون وجعله يبكم حتى السبت التالي . وظهر المسيح لبطرس في رؤيا في الليل وشجعه ، وفي الصباح حكى بطرس للجماعة انتصاره على سيمون " ملاك الشيطان " في اليهودية .
وتصف رؤية لمارسلوس ظهر له الرب فيها في هيئة بطرس وضرب بسيف " كل قوة سيمون " التي ظهرت في شكل امرأة حبشية سوداء جداً وفي ثياب رثة . ويأتي بعد ذلك الصراع مع سيمون في الساحة العامة في محضر أعضاء مجلس الشيوخ والولاة ، وبدأ الجانبان في المبارزة بالكلام ثم بالأفعال التي برزت فيها قوة بطرس وتفوقت في إقامة الموتى ، على قوة سيمون ، وهكذا خسر سيمون شهرته في رومية ، وفي محاولة أخيرة لاسترداد نفوذه ، أعلن أنه سيصعد إلى الله ، وطار - أمام الجموع المحتشدة - فوق المدينة . ولكن إستجابة لصلاة بطرس للمسيح ، وقع سيمون وانكسرت ساقه في ثلاثة مواضع ، فنقل من رومية ، وبعد أن بترت ساقه مات .
ج- يختم سفر الأعمال الفرسيلياني بقصة استشهاد بطرس ( أصحاحات 33 - 41 ) ، فقد استهدف بطرس لعداء الشخصيات من ذوي النفوذ لأنه حرض زوجاتهم على الانفصال عنـــهم ، ونتج عن ذلك القصة المشهورة " كوافاديس " . هرب بطرس من رومية عندما استشعر الخطر ، ولكنه قابل المسيح الذي قال له إنه ذاهب إلى روميةليصلب ثانية ، فعاد بطرس وحكم عليه بالموت . وفي مكان تنفيذ الحكم ، فسر بطرس سر الصليب . طلب أن يصلب منكس الرأس ، وعندما فعلوا به ذلك ، شرح في عبارات مصبوغة بالصبغة الغنوسية ، سبب رغبته في ذلك . وبعد صلاة صوفية الطابع ، أسلم بطرس الروح , وغضب نيرون جداً لإعدام بطرس بدون علمـــه ، لأنه كان يريد التشفي فيه وتعريضه لأنواع من العذاب . وبناء على رؤية ، امتنع عن صب غضبه على المسيحيين واضطهادهم اضطهاداً عنيفاً ( قصة استشهاد بطرس موجودة أيضاً في الأصل اليوناني ) .
قيمتها التاريخية : واضح مما سبق أن هذه الأعمال ليست إلا أساطير ، وليس لها أي قيمة من الناحية التاريخية عن خدمة بطرس .
المؤلف وتاريخ التأليف : لا يمكن الجزم بشيء في موضوع مؤلف أعمال بطرس ، فالبعض يعتقدون أنها من تأليف كاتب أعمال يوحنا ، ولكن الأمر المؤكد هو أنهما نبتتا في نفس الجو الديني في أسيا الصغرى . وليس هناك إجماع على مكان كتابتها ، ولكن بعض التفاصيل الصغيرة مع طبيعة الكتاب ، تدل على أن أصله كان في أسيا الصغرى أكثر مما في رومية ، فهو يخلو من ذكر أي شيء عن أحوال رومية ، بينما هناك تلميحات محتملة عن شخصيات تاريخية عاشت في أسيا الصغرى . أما تاريخ كتابته فيرجع إلى ختام القرن الثاني على الأرجح .
طبيعتها : استخدم الهراطقة أعمال بطرس ، بينما حرمتها الكنيسة ، وليس معنى هذا بالضرورة أنها من أصل هرطوقي ، ولكن من المحتمل أنها نشأت داخل الكنيسة في بيئة مصبوغة بشدة بالأفكار الغنوسية ، فنجد المبدأ الغنوسي في التشديد بخصوص " فهم الرب " ( أصحاح 22 ) . وكذلك نرى الفكرة الغنوسيه في أن الكتب المقدسة يلزم أن تكون مصحوبة بتعليم سري مسلم من الرب للرســــل ، في كثير من الأجزاء ( وبخاصة الأصحاح 20 ) . كما يوجد فيها شوائب من الهرطقة الدوسيتية ، كما أن الكلمات التي نطق بها بطرس وهو معلق على الصليب توحي بتأثير غنوسي ( فصل 73 الخ ) ، ونجد في تلك الأعمال نفس الموقف السلبي من الخليقة والروح التقشفية الواضحة كما في غيرها من الأسفار الأبوكريفيـــــــــة ، ويستخدم الماء بدل الخمر في العشاء الرباني . وأشد ما يميز أعمال بطرس هو التشديد على رحمة الله الواسعة في المسيح من نحو المرتدين ( وبخاصة في فصل 7 ) ، وهذه الملحوظة التي تكرر كثيراً هي برهان على وجود الإنجيل الحقيقي في مجتمعات اختلط إيمانها بأغرب الخرافات .
ثالثاً - أعمال يوحنا
بناء على جدول المخطوطات لنيسيفورس ، كانت أعمال يوحنا في صورتها الكاملة تشكل كتاباً في حجم إنجيل متى . وعدد من أجزائة يبدو مترابطاً ، وهذه تكون نحو ثلثي الكتاب . وبداية تلك الأعمال مفقودة ، وتبدأ الرواية بالفصل 18 . ولانستطيع أن نجزم بشيءعن محتويات الفصول السابقة ، وإن كان " بونيت " يرى أن الأربعة عشر فصلاً الأولى تروي تفاصيل رحلة يوحنا من أفسس إلى رومية ، ونفيــة إلى بطمس ، بينما الأصحاحات من 15 - 17 تصف عودته من بطمس إلى أفسس ، ولكننا نستبعد هذا لأن الجزء الذي يبدأ بالفصل 18 يصف زيارة يوحنا الأولى لأفسس .
يروي الجزء الأول الموجود من هذه الأعمال ( من 18 - 25 ) أن ليكوميدس " القائـــد الأول للأفسسيين " قابل يوحنا وهو يقترب من المدينة وتوسل إليه من أجل زوجته الجميلة كليوبترا التي أصيبت بالفالج ، وعند وصولهم إلى البيت بلغ الحزن من ليكوميدس مبلغاً سقط معه ميتا ، وبعد أن صلى يوحنا للمسيح ، شفى كليوبترا ثم أقام ليكوميدس من الموت . ونزولاً على توسلاتهما أقام يوحنا معهما . وفي الفصول من 26 - 29 نجد موضوع صورة يوحنا التي لعبت دوراً بارزاً في مجمع نيقية الثاني ، فقد أرسل ليكوميدس صديقاً له ليرسم صورة ليوحنا وعندما تمت ، وضعها في غرفة نومه وأقام مذبحاً أمامها وأحاطها بالشموع ، ولما اكتشف يوحنا لماذا يأوي ليكوميدس إلى غرفته كثيراً ، اتهمه بعبادة وثن وعلم أن الصورةهي صورته ، وصدق ذلك عندما جاءوا له بمرآة ليرى نفسه فيها ، فطلب يوحنا من ليكوميدس أن يرسم صورة لنفسه وأن يستخدم في تلوينها الإيمان بالله ، الوداعة ، المحبة ، العفة ، إلخ أما صورة الجسد فهي صورة ميتة لإنسان ميت . أما الفصول من 30 - 36 فتروي قصة شفاء إمرأة عجوز مريضة ، وفي الساحة حيث كانت تجري المعجزات ، ألقى يوحنا خطاباً عن بُطل كل الأشياء الأرضية ، وعن الطبيعة المدمرة التي للعواطف الجسدية . وفي الفصول 37 - 45 نقرأ أن معبد أرطاميس قد سقط نتيجة لصلاة يوحنا ، مما أدى إلى ربح الكثيرين للمسيح . وكاهن أرطاميس الذي قتل عند سقوط المعبد ، قام من الموت وأصبح مسيحياً ( 46 ) . وبعد سرد عجائب أخرى ( إحداهما كانت طرد البق من أحد البيوت ) ، تأتي أطول قصص هذا الكتاب وهي قصة منفرة عن دروسيانا ( 62 - 86 ) نظمتها الراهبة هروزوتيا من جاندرشيم في قصيدة شعرية ( القرن العاشر ) .والفصول من 87 - 105 تروي حديثاً ليوحنا عن حياة وموت وصعود يسوع ، مصبوغاً بالصبغة الدوسيتية ، ومنها جزء كبير يتعلق بظهور المسيح في أشكال كثيرة بطبيعة جسده الفريدة . وفي هذا الجزء توجد الترنيمة الغريبة التي استخدمها أتباع بريسليان ، والتي يقولون إنها الترنيمة التي رنمها يسوع بعد العشاء في العلية ( مت 26 : 30 ) والتلاميذ يرقصون في حلقة حوله ويردون قائلين آمين . وهنا أيضاً نرى التعليم الصوفي الغامض عن الصليب يعلنه المسيـــح ليوحنا . والفصول من 106 - 115 تروي نهاية يوحنا ، فبعد أن خاطب الإخوة وتمم فريضة عشاء الرب بالخبز فقط ، أمر يوحنا بحفر قبر ، و بعد أن تم ذلك صلى وشكر الرب الذي أنقذه من " الجنون القذر للجسد " وصلى أن يمر بأمان في ظلمة الموت وأخطاره ، ثم اضطجع بهدوء في القبر وأسلم الروح .
قيمتها التاريخية : لسنا في حاجة إلى القول بأن أعمال يوحنا ليس لها أي قيمة تاريخية ، فهي نسيج من أساطير كان القصد منها وما حوته من معجزات ، أن تغرس في أذهان العامة المفاهيم الدينية ونمط الحياة كما يعتنقها المؤلف . وهذه الأعمال تتفق مع التقليد الثابت بأن أفسس كانت دائرة خدمة يوحنا في أواخر أيامه ، ولكن ما يلفت النظر هو ما ذكره المؤلف عن تدمير يوحنا لمعبد أرطاميس ، وهو دليل قوي على أن هذه الأعمال لم تكتب في أفسس ، لأن معبد أرطاميس دمره القوط في 262 م .
صفتها العامة : إن أعمال يوحنا هي أكثر تلك الأسفار الأبوكريفية هرطقة ، وقد أشرنا آنفاً إلى السمات الدوسيتية ، فنرى عقيدة عدم حقيقة جسد يسوع في ظهوره بأشكــــــــــــال مختلفـــة ( 88 - 90 ) ، وقدرته على البقاء بدون طعام ( 93 ) ، وبدون نوم ( " فلم أر عينية مغمضتين قط ولكنهما على الدوام مفتوحتان " 89 ) ، وإنه عندما يمشي لا تترك أقدامه أثراً ( 93 ) ، وتغير طبيعة جسده عند اللمس فمرة يكون جامداً ، وتارة ليناً ، وأخرى خيالياً تماماً ( 89 ، 93 ) . كما أن صلب يسوع كان مجرد مظهر وهمي ( 97 ، 99 ) ، وأن الصعود حدث عقب الصلب الظاهري مباشرة فلا مكان لقيامة شخص لم يمت أصلاً . كما أن الملامح الغنوسية تبدو واضحة في استخفافه بالناموس اليهودي ( 94 ) ، وفي الاهتمام بتأكيد أن المسيح سلم الرسل تعليماً سرياً (96 ) ، وفي احتقار غير المستنيرين ( " لا تهتموا بالكثيرين ، واحتقروا الذين خارج السر " 100 ) والأحداث التاريخية لآلام المسيح تحولت تماماً إلى نوع من الصوفية (101 ) فهي مجرد رمز للآلام البشرية ، والهدف من مجيئ المسيح هو أن يمكن الناس من فهم المعنى الحقيقي للآلام وهكذا يتخلص منها (96) ، وآلام المسيح الحقيقية هي مانتج عن حزنه على خطايا أتباعـــــــــــه ( 106) ، كما أنه شريك في آلام شعبه الأمين ، وفي الحقيقة هو حاضر معهم ليسندهم في وقت التجربة ( 103) . كما أن أعمال يوحنا تبدي نزعة هرطوقية وإن كانت أقل بروزاً من أعمال أندراوس وأعمال توما . ولا نجد في أي مؤلف آخر لمحات أكثر هولاً ، مما نرى في أعمال يوحنا ، من لمحات عن أعماق الفساد الجنسي ، فقصة دروسيانا تلقي نوراً قوياً على الأمور الجنسية الفاضحة . ولكن إلى جانب ذلك ، توجد أجزاء تفيض بالمشاعر الدينية الدافئة . وبعض الصلوات تتميز بالحماسة والحرارة ( 112) . وهذه الأعمال تدل على أن المؤلف كانت له موهبة الكتابة ، وهي في هذا تختلف عن أعمــــــال بولس .
المؤلف وتاريخ التأليف : يقول مؤلف أعمال يوحنا عن نفسه بأنه كان رفيقاً للرسول ، وقد شارك في الأحداث التي رواها ، ونتيجة لذلك فإن القصة بها شيئ من الحيوية حتى إنها لتبدو وكأنها تاريخ حقيقي . والمؤلف - بشهادة تعود إلى القرن الرابع - هو ليوسيوس ولكن لايمكن أن نجزم بشيء عنه . ومن المحتمل أن المؤلف ذكر اسمه في الجزء المفقود . ونعرف أنها قديمة من إشارة إكليمندس السكندري ( حوالي 200 م ) إلى طبيعة جسد المسيح غير المادية ، فهذه العبارة تدل بوضوح على أنه كان يعرف هذه الأعمال ، أو سمع عنها ، فمن المحتمل أنها كتبت فيما بين 150 - 180 م وأنها كتبت في أسيا الصغرى .
تأثيرها : كان لأعمال يوحنا تأثير واسع ، وعلى الأرجح هي أقدم أعمال ، وعنها أخذت سائر أسفار الأعمال التي كتبت بعدها ، فأعمال بطرس وأعمال أندراوس شديدة الشبه بأعمال يوحنا ، حتى قال البعض إنها كلها من قلم واحد ، والأرجح أننا على حق عندما نقول إن مؤلف أعمال يوحنا كان رائداً في هذا المجال من الروايات التي حيكت حول الرسل ، وأن الآخرين ساروا على الدرب الذي فتحه . ونفهم من إشارة أكليمندس الإسكندري أن أعمال يوحنا كانت تقرأ في الدوائر القويمة ، ولكن نُظر إليها بعد ذلك بعين الشك ، فأوغسطينوس يقتبس جزءاً من الترنيمة (95 ) التي قرأها في مؤلف بريسلياني أرسله إليه الأسقف سرتيوس ، ويعلق بنقد قاس عليها ، وعلى الزعم بأنها أعلنت سراً للرسل وقد أصدر مجمع نيقيـــــــة الثاني ( 787 م ) حكماً شديد اللهجة ضد أعمال يوحنا . ولكن القصص التي جاءت بهذه الأعمال انتقلت إلى الدوائر القويمة وقد استخدمها بروكورس ( القرن الخامس ) في تأليف رواية عن رحلات الرسول ، كما استخدمها أبدياس ( القرن السادس) .
رابعاً - أعمال أندراوس
محتوياتها :
لم يبق من أعمال أندراوس إلا أجزاء صغيرة . كما يحتفظ لنا أيوديوس مــــن أوزالا ( توفي 424 م - وكان معاصراً لأوغسطينوس ) بجزء صغير .
1-والجزء الوارد في أيوديوس عبارة عن فقرتين قصيرتين تصفان العلاقات بين مكسيميليا وزوجها أجيتس ، الذي قاومت مطالبه .
2- أطول جزء من هذه الأعمال يروي سجن أندراوس لإغرائة مكسيميليا بالانفصال عن زوجها أجيتس ، لتعيش حياة الطهارة ( واسم أجيتس هو في حقيقته اسم شخص ينتسب إلى مدينة أجيا القريبة من باتري التي يقال إن أندراوس كان يعمل بها ) . ويفتتح الفصل ، في وسط خطاب ألقاه أندراوس على الإخوة في السجن ، الذي انضموا إليه فيه ليفتخروا بشركتهم مع المسيح وبنجاتهم من أمور الأرض الدنية . وأعلن أندراوس أنه سيصلب .
3-عندما وصل إندراوس إلى مكان الصلب ربط إلى الصليب وكان يبتسم لإخفاق أجيتس في الإنتقام ، وظل ثلاثة أيام وثلاث ليال يخاطب الشعب من فوق الصليب ، وإذ تأثروا من نبله وبلاغته ، ذهبوا إلى أجيتس طالبين منه انقاذه من الموت . وإذ خشى غضب الشعب ذهب لينزل أندراوس من فوق ال